استكبار ابليس   1
 

قال الله تعالى في كتابه الكريم في سورة الحجر اية ٢٥
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنَسانَ مِنْ صَلْصَـالٍ مِّنْ حَمَإ مَّسْنُونٍ ، وَالْجَآنَّ خَلَقْنهُ مِنْ قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ، وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالَقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَـالٍ مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَـاجِدِينَ ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلآَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّـاجِدِينَ ، قَالَ يإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّـاجِدِين ، قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَـال مِّن حَمَإ مَّسْنُون ، قَالَ فَاخْرُجْ مَنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قَالَ رَبِّ بَمَا أَغْوَيْتَني لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الأَرْضَ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمخْلَصِينَ ، قَالَ هَـذَا صِرَا طٌ عَلَيّ مُسْتَقِيمٌ ، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ﴾

  الآيات المذكورة في الاعلى تحكي قصة ابليس مع ادم لتبيّن أن الهدف الأساسي من إيجاد كل الخليقة إِنّما هو خلق الإِنسان كما سياتي تفصيله، ولكنها تعرضت الى مشكلة ابليس مع ادم وسلطت الاضواء على حقيقة فعله ونهجه، ولكن قبل الدخول في تفاصيل البحث نعرض الى توضيح بعض المعاني التي وردت في الآيات السابقة.
قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإِنسان من صلصال من حمأ مسنون).

"الصلصال" هو التراب اليابس الذي لو اصطدم به شيء أحدث صوتاً، و"الحمأ المسنون" هو الطينٌ المتعفن، والذي يحكي عن المراحل البدائية لخلق الانسان قبل بعث الروح فيه، فقد اشتملت هذه الطينة التي خلق منها الانسان على بعض الصفات الانسانية للبدن والتي تعرضت اليها بعض الاحاديث الشريفة ومنها احاديث امير المؤمنين في نهج البلاغة والتي اوضحت بعض مراحل خلق البدن الانساني والذي بقى مدة من الزمن ليتحول من الحمأ المسنون الى حال الصلصال قبل بعث الروح فيه، ثم تكامل الخلق الالهي للإنسان بعد بعث الروح والتي عبر عنها القران انها سر من اسرار الله كما في قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، وهو ما بينه الله في اية اخرى قال فيها: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ).

  ثم يتناول سبحانه مسألة الجن بقوله تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم).
"السّموم" لغة هو الهواء الحارق، وسميَّ بالسموم لأنّه يخترق جميع مسامات بدن الإِنسان، وكذلك يطلق على المادة القاتلة (السم) لأنّها تنفذ في بدن الإِنسان وتقتله، فيحكي القران عن اصل خلق الجن والذي كان ابليس منه، وسياتي في الحلقات القادمة الحديث عن طبيعة الجن وما ذكره كتاب الله عنهم.

   ثمّ يعود القرآن الكريم بعد توضيح طبيعة خلق الانسان والجان إِلى حديث الله مع الملائكة قبل خلق الإِنسان حيث قال: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالَقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَـالٍ مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَـاجِدِينَ)، وبعد أن اتمّ الله خلق الإِنسان من الجسم والروح المناسبين لهذا الخلق الجديد والمتميز عن غيره من خلق الله عرضه على الملائكة ببعض صفاته المتميزة ثم أمر سبحانه الملائكة بالسجود لادم، فسجد الملائكة كلّهم أجمعين، ولم يعص هذا الأمر إِلاّ إِبليس كما في قوله تعالى: ( إِلآَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّـاجِدِينَ)

   وهنا سأل الله إِبليسَ (والذي كان يعبد الله مع الملائكة لبلوغه مرتبة عالية من العبادة رغم انه لم يكن منهم كما بينه القران في اية اخرى) فقال له رب العزة: (قال يا إِبليس ما لك ألاّ تكون مع الساجدين؟) حيث يفترض ان يبادر الى السجود لأنه كان في المراتب العليا من العابدين لله وقد سمع أمر الله وكان الاولى به المبادرة الى الطاعة تقربا اليه، فكان يمكنه القول ان الامر لم يكن موجها اليه ولذا لم يسجد، ولكنه أجاب بمنتهى الوقاحة قائلا: (لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون)، ولم يكن ذلك ليخفى على الله وهو علام الغيوب، ولكنه اراد اظهار حقيقة الشيطان وما تنطوي عليه نفسه من الغرور والكبر الذي جعله تائهاً في حب النفس والانا، والذي كان لسان حاله يقول: أين مرتبة النّار المضيئة من التراب الأسود المتعفن!؟ وهل لموجود شريف مثلي أن يتواضع ويخضع لموجود أدنى منه منزلة؟!

   وكان من نتائج هذا الغرور، وحب النفس والانا، والجهل بالحكمة الالهية ما دفع هو ابليس الى تجاهل الامر الالهي، وتجاهل شرافة الروح التي أودعها الله في آدم، والذي ادى في النهاية الى سقوطه من ذلك المقام المرموق في العبادة وأصبح غير لائق لأن يكون مع الملائكة وبين صفوفهم، فجاء الأمر الإِلهي مقرعاً له بالخروج من الجنّة، أو من السماوات أو من بين صفوف الملائكة بقوله تعالى:
(قال فاخرج منها فإِنّك رجيم)، وهو ما يعني الطرد الأبدي من رحمة الله لمن يعصى امره، والذي اتبعه بقوله سبحانه: ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ).

وللحديث تتمة

محرم الحرام 1432 هجرية - 2010 
huda-n.com