إستكبار
إبليس 5
تقدم الحديث عن الآيات في سورة الحجر من سجود الملائكة لادم، مما يبعث
في فكر الانسان تساؤل عن موضوعات عدة منها جواز السجود لغير الله تعالى تبارك
وتعالى؟ الا ان المستفاد من الآيات التي تضمنت هذا الموضوع في كتاب الله المجيد
والذي ورد في اكثر من سورة هو ان السجود كان بأمر الله، فهو في الحقيقة سجود
لله طاعة له واعترافا بعظيم خلقه لهذا المخلوق المتميز عن غيره من المخلوقات
بما حباه الله بالروح والعقل وبما اودع فيه من العلم الالهي الخاص الذي تجاوز
علم ملائكة الله.
كما قد يثار تساؤل في النفس عن طبيعة الجن الذي كان منه ابليس والذي رفض
السجود لادم مما يستدعي تسليط الضوء على حقيقة الجن الذي ورد ذكره في كتاب
الله، فما هو المقصود بالجن؟
إنّ كلمة الجن في
الأصل مستمدا من كون الشيء الذي يُسْتَرُ عن حس الانسان، فمثلا نقول
(جَنَّهُ الليلُ) أو (فلما جنَّ عليه الليل) أي عندما غطته ستارة
الليل السوداء، ويقال (مجنون) لمن فقد عقله أيْ سُتِرْ، و(الجنين)
للطفل المستور في رحم أُمّه، و(الجنّة) للبستان الذي تغطي أشجاره أرضه،
و(الجِنَان) للقلب الذي سُتِرَ داخل صدر الانسان، و(الجُنّه)
للدرع الذي يحمي الإنسان من ضربات الأعداء.
والمستفاد من آيات
القرآن أن "الجِنَّ" نوعٌ من الموجودات العاقلة قد سُترت عن حس الانسان،
وخُلِقَتْ من النّار، أو من مارج من نار، أيْ من صافي شعلتها، وابليس من هذا
الصنف.
وقد عبّر عن الجن
بأنّها: نوع من الأرواح العاقلة المجردة من المادة او نوع من الجنس اللطيف
ماديا، بمعنى أن تجردها من المادة ليس كاملا، فما يُخلق من المادة فهو مادي على
كل الاحوال، الا انه لا يدرك بحواسنا المحدودة التي لا تدرك البعيد او القريب
والكبير والصغير الا اذا كان على درجة معينة تنسجم مع طبيعة الخلق الرباني
للبشر والذي جعل حدودا للنظر والسمع والقدرة والادراك بل وكل اجزاء الانسان كما
في قوله تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ).
ويستفاد من الآيات القرآنية أيضاً أنّ الجن فيهم المؤمن المطيع والكافر العاصي،
وأنّهم مكلفون شرعاً ومسؤولون عن ذلك في يوم القيامة كما ورد في بعض الآيات
التي توضح ذلك ومنها قوله تعالى:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ
اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا،
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا،
وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا،
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللهِ شَطَطًا...)
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ
جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ، وَقَالَ
أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ ، رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ
وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا، قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ
خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالْإِنسِ : أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي
وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا؟ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ
أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ
أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)
(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ
قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ، كُلَّمَا
دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا، حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا
جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا
فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا
تَعْلَمُونَ)
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا
لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ، لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا
يَفْقَهُونَ بِهَا، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا، وَلَهُمْ آذَانٌ
لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا، أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)
فالجن لهم تكاليفهم وعالمهم الخاص المستتر عن اعين الناس، وان كان في
بعض الاحيان تداخل محدود بين العالمين بإذن الله كما ذكره كتاب الله عن قصة
سليمان ع كما في الآيات التالية:
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ
جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)
(قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ
الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي
عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)
(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ
الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ
مِنسَأَتَهُ، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)
(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ
الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهم رهقا)
ومع كل هذه الصفات العامة عن الجن
بل حتى توجه الامر الالهي في القران لهم كما في قوله تعالى:
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)
(قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
فان هذه المعرفة العامة تتطلب
معرفة دقيقة بعمل الشيطان ومعنى نزغه واضلاله للناس وهو ما يحتاج الى بحث جديد
وللحديث تتمة